فصل: فصل: ولا يصح الإيداع إلا من جائز التصرف

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المغني **


مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏وإذا أودعه شيئا ثم سأله دفعه إليه في وقت أمكنه ذلك فلم يفعل حتى تلف‏,‏ فهو ضامن‏]‏

لا خلاف في وجوب رد الوديعة على مالكها إذا طلبها فأمكن أداؤها إليه بغير ضرورة‏,‏ وقد أمر الله تعالى بذلك فقال تعالى‏:‏ ‏{‏إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها‏}‏ وأمر به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏ أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك ‏)‏‏)‏ يعني عند طلبها ولأنها حق لمالكها لم يتعلق بها حق غيره‏,‏ فلزم أداؤها إليه كالمغصوب والدين الحال فإن امتنع من دفعها في هذه الحال فتلفت‏,‏ ضمنها لأنه صار غاصبا لكونه أمسك مال غيره بغير إذنه بفعل محرم فأشبه الغاصب فأما إن طلبها في وقت لم يمكن دفعها إليه‏,‏ لبعدها أو لمخافة في طريقها أو للعجز عن حملها‏,‏ أو غير ذلك لم يكن متعديا بترك تسليمها لأن الله تعالى لا يكلف نفسا إلا وسعها وإن تلفت لم يضمنها لعدم عدوانه وإن قال أمهلوني حتى أقضى صلاتى أو آكل‏,‏ فإني جائع أو أنام فإني ناعس أو ينهضم عني الطعام فإني ممتلئ أمهل بقدر ذلك‏.‏

فصل‏:‏

وليس على المستودع مؤنة الرد وحملها إلى ربها إذا كانت مما لحمله مؤنة قلت المؤنة أو كثرت لأنه قبض العين لمنفعة مالكها على الخصوص‏,‏ فلم تلزمه الغرامة عليها كما لو وكله في حفظها في ملك صاحبها وإنما عليه التمكين من أخذها وإن سافر بها بغير إذن ربها‏,‏ فعليه ردها إلى بلدها لأنه أبعدها بغير إذن ربها فلزمه ردها‏,‏ كالغاصب‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏وإذا مات وعنده وديعة لا تتميز من ماله فصاحبها غريم بها‏]‏

وجملته أن الرجل إذا مات وثبت أن عنده وديعة لم توجد بعينها‏,‏ فهي دين عليه يغرم من تركته فإن كان عليه دين سواها‏,‏ فهي والدين سواء فإن وفت تركته بهما وإلا اقتسماها بالحصص وبهذا قال الشعبي والنخعي‏,‏ وداود بن أبي هند ومالك والشافعي‏,‏ وأبو حنيفة وأصحابه وإسحاق وروى ذلك عن شريح ومسروق‏,‏ وعطاء وطاوس والزهري‏,‏ وأبي جعفر محمد بن على وروى عن النخعي‏:‏ الأمانة قبل الدين وقال الحارث العكلى‏:‏ الدين قبل الأمانة ولنا أنهما حقان وجبا في ذمته فتساويا كالدينين‏,‏ وسواء وجد في تركته من جنس الوديعة أو لم يوجد وهذا إذا أقر المودع أن عندي وديعة أو على وديعة لفلان أو ثبت ببينة أنه مات وعنده وديعة فأما إن كانت عنده وديعة في حياته‏,‏ ولم توجد بعينها ولم يعلم هل هي باقية عنده أو تلفت ففيه وجهان أحدهما وجوب ضمانها لأن الوديعة يجب ردها إلا أن يثبت سقوط الرد بالتلف من غير تعد‏,‏ ولم يثبت ذلك ولأن الجهل بعينها كالجهل بها وذلك لا يسقط الرد والثاني‏,‏ لا ضمان عليه لأن الوديعة أمانة والأصل عدم إتلافها والتعدى فيها فلم يجب ضمانها وهذا قول ابن أبي ليلى‏,‏ وأحد الوجهين لأصحاب الشافعي وظاهر المذهب الأول لأن الأصل وجوب الرد فيبقى عليه ما لم يوجد ما يزيله‏.‏

فصل‏:‏

وإن مات وعنده وديعة معلومة بعينها‏,‏ فعلى ورثته تمكين صاحبها من أخذها فإن لم يعلم بموت صاحبها من أخذها وجب عليهم إعلامه به وليس لهم إمساكها قبل أن يعلم بها ربها لأنه لم يأتمنهم عليها‏,‏ وإنما حصل مال غيرهم في أيديهم بمنزلة من أطارت الريح إلى داره ثوبا وعلم به فعليه إعلام صاحبه به‏,‏ فإن أخر ذلك مع الإمكان ضمن كذا ها هنا ولا تثبت الوديعة إلا بإقرار من الميت أو ورثته أو ببينة تشهد بها وإن وجد عليها مكتوبا وديعة لم يكن حجة عليهم‏,‏ لجواز أن يكون الظرف كانت فيه وديعة قبل هذا أو كان وديعة لموروثهم عند غيره أو كانت وديعة فابتاعها وكذلك لو وجد في رزمانج أبيه‏,‏ أن لفلان عندي وديعة لم يلزمه بذلك لجواز أن يكون قد ردها ونسى الضرب على ما كتب أو غير ذلك‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏وإذا طالبه الوديعة فقال‏:‏ ما أودعتني ثم قال‏:‏ ضاعت من حرز‏,‏ كان ضامنا لأنه خرج من حال الأمانة ولو قال‏:‏ ما لك عندي شيء ثم قال‏:‏ ضاعت من حرز كان القول قوله ولا ضمان عليه‏]‏

وجملة ذلك أنه إذا ادعى على رجل وديعة فقال‏:‏ ما أودعتني ثم ثبت أنه أودعه‏,‏ فقال‏:‏ أودعتني وهلكت من حرزى لم يقبل قوله ولزمه ضمانها وبهذا قال مالك‏,‏ والأوزاعي والشافعي وإسحاق وأصحاب الرأي لأنه مكذب لإنكاره الأول ومعترف على نفسه بالكذب المنافي للأمانة وإن أقر له بتلفها من حرزه قبل جحده‏,‏ فلا ضمان عليه وإن أقر أنها تلفت بعد جحوده لم يسقط عنه الضمان لأنه خرج بالجحود عن الأمانة فصار ضامنا كمن طولب الوديعة فامتنع من ردها وإن أقام البينة بتلفها بعد الجحود‏,‏ لم يسقط عنه الضمان لذلك وإن شهدت بتلفها قبل الجحود من الحرز فهل تسمع بينته‏؟‏ ففيه وجهان أحدهما لا تسمع لأنه مكذب لها بإنكاره الإيداع والثاني تسمع بينته لأن المودع لو اعترف بذلك سقط حقه‏,‏ فتسمع البينة به فإن شهدت بالتلف من الحرز ولم تعين قبل الجحود ولا بعده‏,‏ واحتمل الأمرين لم يسقط الضمان لأن الأصل وجوبه فلا ينتفي بأمر متردد وأما إذا ادعى الوديعة‏,‏ فقال‏:‏ ما لك عندي شيء أو لا تستحق على شيئا فقالت البينة بالإيداع أو أقر به المودع‏,‏ ثم قال‏:‏ ضاعت من حرز كان القول قوله مع يمينه ولا ضمان عليه لأن قوله لا ينافي ما شهدت به البينة ولا يكذبها فإن من تلفت الوديعة من حرزه بغير تفريطه فلا شيء لمالكها عنده‏,‏ ولا يستحق عليه شيئا لكن إن ادعى تلفها بعد جحوده أو قامت بينة بتلفها بعد الجحود‏,‏ أو أنها كانت عنده حال جحوده فعليه ضمانها لأن جحوده أوجب الضمان عليه فصار كالغاصب‏.‏

فصل‏:‏

إذا نوى الخيانة في الوديعة‏,‏ بالجحود أو الاستعمال ولم يفعل لم يصر ضامنا لأنه لم يحدث في الوديعة قولا ولا فعلا‏,‏ فلا يضمن كما لو لم ينو وقال ابن شريح‏:‏ يضمنها لأنه أمسكها بنية الخيانة فيضمنها‏,‏ كالملتقط بقصد التملك ولنا‏:‏ قول النبي -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏‏(‏ عفي عن أمتى الخطأ والنسيان وما حدثت به أنفسها ما لم تكلم به‏,‏ أو تعمل به ‏)‏‏)‏ ولأنه لم يخن فيها بقول ولا فعل فلم يضمنها كالذي لم ينو‏,‏ وفارق الملتقط بقصد التملك فإنه عمل فيها بأخذها ناويا للخيانة فيها فوجب الضمان بفعله المنوي‏,‏ لا بمجرد النية ولو التقطها قاصدا لتعريفها ثم نوى بعد ذلك إمساكها لنفسه كانت كمسألتنا ولو أخرجها بنية الاستعمال‏,‏ فلم يستعملها ضمنها وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة لا يضمنها إلا بالاستعمال لأنه لو أخرجها لنقلها لم يضمنها ولنا أنه تعدى بإخراجها‏,‏ أشبه ما لو استعملها بخلاف ما إذا نقلها‏.‏

فصل‏:‏

والمودع أمين والقول قوله فيما يدعيه من تلف الوديعة بغير خلاف قال ابن المنذر‏:‏ أجمع كل من أحفظ عنه من أهل العلم على أن المودع إذا أحرز الوديعة‏,‏ ثم ذكر أنها ضاعت أن القول قوله وقال أكثرهم‏:‏ مع يمينه وإن ادعى ردها على صاحبها فالقول قوله مع يمينه أيضا وبه قال الثوري‏,‏ والشافعي وإسحاق وأصحاب الرأي وبه قال مالك إن كان دفعها إليه بغير بينة وإن كان أودعه ببينة لم يقبل قوله في الرد إلا ببينة ولنا‏,‏ أنه أمين لا منفعة له في قبضها فقبل قوله في الرد بغير بينة كما لو أودع بغير بينة وإن قال‏:‏ دفعتها إلى فلان بأمرك فأنكر مالكها الإذن في دفعها‏,‏ فالقول قول المودع نص عليه أحمد في رواية ابن منصور وهو قول ابن أبي ليلى وقال مالك والثوري‏,‏ والعنبرى والشافعي وأصحاب الرأي‏:‏ القول قول المالك لأن الأصل عدم الإذن‏,‏ وله تضمينه ولنا أنه ادعى دفعا يبرأ به من الوديعة فكان القول قوله‏,‏ كما لو ادعى ردها على مالكها ولو اعترف المالك بالإذن ولكن قال‏:‏ لم يدفعها فالقول قول المستودع أيضا ثم ننظر في المدفوع إليه فإن أقر أنه قبضه‏,‏ وكان الدفع في دين فقد برئ الكل وإن أنكر فالقول قوله مع يمينه وقد ذكر أصحابنا أن الدافع يضمن لكونه قضى الدين بغير بينة‏,‏ ولا يجب اليمين على صاحب الوديعة لأن المودع مفرط لكونه أذن في قضاء يبرئه من الحق ولم يبرأ بدفعه فكان ضامنا‏,‏ سواء صدقه أو كذبه وإن أمره بدفعه وديعة لم يحتج إلى بينة لأن المودع يقبل قوله في التلف والرد‏,‏ فلا فائدة في الإشهاد عليه فعلى هذا يحلف المودع ويبرأ ويحلف الآخر ويبرأ أيضا‏,‏ ويكون ذهابها من مالكها‏.‏

فصل‏:‏

وإذا أودع بهيمة فأمره صاحبها بعلفها وسقيها لزمه ذلك لوجهين أحدهما‏,‏ لحرمة صاحبها لأنه أخذها منه على ذلك والثاني لحرمة البهيمة فإن الحيوان يجب إحياؤه بالعلف والسقى ويحتمل أن لا يلزمه علفها إلا أن يقبل ذلك لأن هذا تبرع منه‏,‏ فلا يلزمه بمجرد أمر صاحبها كغير الوديعة وإن أطلق ولم يأمره بعلفها لزمه ذلك أيضا وبهذا قال الشافعي ويحتمل أن لا يلزمه ذلك وبه قال أبو حنيفة لأنه استحفظه إياها‏,‏ ولم يأمر بعلفها والعلف على مالكها فإذا لم يعلفها كان هو المفرط في ماله ولنا‏,‏ أنه لا يجوز إتلافها ولا التفريط فيها فإذا أمره بحفظها تضمن ذلك علفها وسقيها‏,‏ ثم ننظر فإن قدر المستودع على صاحبها أو وكيله طالبه بالإنفاق عليها أو بردها عليه‏,‏ أو يأذن له في الإنفاق عليها ليرجع به فإذا عجز عن صاحبها أو وكيله رفع الأمر إلى الحاكم فإن وجد لصاحبها مالا أنفق عليها منه‏,‏ وإن لم يجد مالا فعل ما يرى لصاحبها الحظ فيه من بيعها أو بيع بعضها وإنفاقه عليها‏,‏ أو إجارتها أو الاستدانة على صاحبها من بيت المال أو من غيره‏,‏ ويدفع ذلك إلى المودع إن أراد ذلك لينفقه عليها وإن رأى دفعه إلى غيره ليتولى الإنفاق عليها جاز وإن استدان من المودع‏,‏ جاز أن يدفعه إليه ليتولى الإنفاق عليها لأنه أمين عليها ويجوز أن يأذن له الحاكم في أن ينفق عليها من ماله ويكون قابضا لنفسه من نفسه ويكل ذلك إلى اجتهاده في قدر ما ينفق‏,‏ ويرجع به على صاحبها فإن اختلفا في قدر النفقة فالقول قول المودع إذا ادعى النفقة بالمعروف‏,‏ وإن ادعى أكثر من ذلك لم يثبت له وإن اختلفا في قدر المدة التي أنفق فيها فالقول قول صاحبها لأن الأصل عدم ذلك فإن لم يقدر على الحاكم‏,‏ فأنفق عليها محتسبا بالرجوع على صاحبها وأشهد على الرجوع رجع بما أنفق‏,‏ رواية واحدة لأنه مأذون فيه عرفا ولا تفريط منه إذا لم يجد حاكما وإن فعل ذلك مع إمكان استئذان الحاكم من غير إذنه فهل له الرجوع‏؟‏ يخرج على روايتين نص عليها فيما إذا أنفق على البهيمة المرهونة من غير إذن الراهن‏,‏ وفي الضامن إذا ضمن وأدى بغير إذن المضمون عنه هل يرجع به‏؟‏ على روايتين إحداهما يرجع به لأنه مأذون فيه عرفا والثانية‏,‏ لا يرجع لأنه مفرط بترك استئذان الحاكم وإن أنفق من غير إشهاد مع العجز عن استئذان الحاكم أو مع إمكانه‏,‏ ففي الرجوع وجهان أيضا كذلك ومتى علف البهيمة أو سقاها في داره أو غيرها بنفسه‏,‏ أو أمر غلامه أو صاحبه ففعل ذلك كما يفعل في بهائمه على ما جرت به العادة‏,‏ فلا ضمان عليه لأن هذا مأذون فيه عرفا لجريان العادة به فأشبه المصرح به‏.‏

فصل‏:‏

وإن أودعه البهيمة‏,‏ وقال‏:‏ لا تعلفها ولا تسقها لم يجز له ترك علفها لأن للحيوان حرمة في نفسه يجب إحياؤه لحق الله تعالى فإن علفها وسقاها كان كالقسم الذي قبله‏,‏ وإن تركها حتى تلفت لم يضمنها وهذا قول عامة أصحاب الشافعي وقال بعضهم‏:‏ يضمن لأنه تعدى بترك علفها أشبه ما إذا لم ينهه وهذا قول ابن المنذر لنهى رسول الله عن إضاعة المال فيصير أمر مالكها وسكوته سواء ولنا‏,‏ أنه ممتثل لأمر صاحبها فلم يضمنها كما لو قال‏:‏ اقتلها فقتلها‏,‏ وكما لو قال‏:‏ لا تخرج الوديعة وإن خفت عليها فخاف عليها ولم يخرجها أو أمره صاحبها بإلقائها في نار أو بحر وبهذا ينتقض ما ذكروه ومنع ابن المنذر الحكم فيما إذا أمره بإتلافها وأتلفها لما تقدم ولا يصح لأنه ثابت لصاحبها فلم يغرم له شيئا‏,‏ كما لو استنابه في مباح والتحريم أثره في بقاء حق الله تعالى وهو التأثيم أما حق الآدمي فلا يبقى مع إذنه في تفويته‏,‏ ولأنها لم تتلف بفعله وإنما تلفت بترك العلف المأذون فيه أشبه ما لو قال له‏:‏ لا تخرجها إذا خفت عليها فلم يخرجها‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏ولو كان في يده وديعة‏,‏ فادعاها نفسان فقال‏:‏ أودعني أحدهما ولا أعرفه عينا أقرع بينهما فمن خرجت له القرعة حلف أنها له‏,‏ وسلمت إليه‏]‏

وجملته أن من كانت عنده وديعة فادعاها نفسان فأقر بها لأحدهما‏,‏ سلمت إليه لأن يده دليل ملكه فلو ادعاها لنفسه كان القول قوله فإذا أقر بها لغيره‏,‏ وجب أن يقبل ويلزمه أن يحلف للآخر لأنه منكر لحقه فإن حلف برئ‏,‏ وإن نكل لزمه أن يغرم له قيمتها لأنه فوتها عليه وكذلك لو أقر للثاني بها بعد أن أقر بها للأول سلمت إلى الأول لأنه استحقها بإقراره وغرم قيمتها للثاني نص على هذا أحمد وإن أقر بها لهما جميعا‏,‏ فهي بينهما ويلزمه اليمين لكل واحد منهما في نصفها وإن قال‏:‏ هي لأحدهما لا أعرفه عينا فاعترفا له بجهله تعين المستحق لها‏,‏ فلا يمين عليه وإن ادعيا معرفته فعليه يمين واحدة أنه لا يعلم ذلك وقال أبو حنيفة‏:‏ يحلف يمينين كما لو أنكر أنها لهما ولنا‏,‏ أن الذي يدعى عليه أمر واحد وهو العلم بعين المالك فكفاه يمين واحدة كما لو ادعياها فأقر بها لأحدهما‏,‏ ويفارق ما إذا أنكرها لأن كل واحد منهما يدعى عليه أنها له فهما دعويان فإن حلف أقرع بينهما‏,‏ فمن قرع صاحبه حلف وسلمت إليه وقال الشافعي‏:‏ يتحالفان ويوقف الشيء بينهما حتى يصطلحا وهو قول ابن أبي ليلى لأنه لا يعلم المالك منهما وللشافعي قول آخر‏,‏ أنها تقسم بينهما كما لو أقر بها لهما وهذا الذي حكاه ابن المنذر عن ابن أبي ليلى وهو قول أبي حنيفة وصاحبيه فيما حكى عنهم‏,‏ قالوا‏:‏ ويضمن المستودع نصفها لكل واحد منهما لأنه فوت ما استودع بجهله ولنا أنهما تساويا في الحق فيما ليس بأيديهما فوجب أن يقرع بينهما‏,‏ كالعبدين إذا أعتقهما في مرضه فلم يخرج من الثلث إلا أحدهما أو كما لو أراد السفر بإحدى نسائه وقول أبي حنيفة ليس بصحيح فإن العين لم تتلف ولو تلفت بغير تفريط منه فلا ضمان عليه‏,‏ وليس في جهله تفريط إذ ليس في وسعه أن لا ينسى ولا يجهل‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏ومن أودع شيئا فأخذ بعضه‏,‏ ثم رده أو مثله فضاع الكل لزمه مقدار ما أخذ‏]‏

وجملته أن من أودع شيئا‏,‏ فأخذ بعضه لزمه ضمان ما أخذ فإن رده أو مثله‏,‏ لم يزل الضمان عنه وبهذا قال الشافعي وقال مالك‏:‏ لا ضمان عليه إذا رده أو مثله وقال أصحاب الرأي‏:‏ إن لم ينفق ما أخذه ورد لم يضمن‏,‏ وإن أنفقه ثم رده أو مثله ضمن ولنا أن الضمان تعلق بذمته بالأخذ بدليل أنه لو تلف في يده قبل رده ضمنه‏,‏ فلا يزول إلا برده إلى صاحبه كالمغصوب فأما سائر الوديعة فينظر فيه فإن كان في كيس مختوم أو مشدود فكسر الختم أو حل الشد‏,‏ ضمن سواء أخرج منه أو لم يخرج لأنه هتك الحرز بفعل تعدى به وإن خرق الكيس فوق الشد فعليه ضمان ما خرق خاصة لأنه ما هتك الحرز وإن لم تكن الدراهم في كيس‏,‏ أو كانت في كيس غير مشدود أو كانت ثيابا فأخذ منها واحدا ثم رده بعينه لم يضمن غيره لأنه لم يتعد في غيره وإن رد بدله وكان متميزا‏,‏ لم يضمن غيره لذلك وإن لم يكن متميزا فظاهر كلام الخرقي ها هنا أنه لا يضمن غيره لأن التعدي اختص به‏,‏ فيختص الضمان به وخلط المردود بغيره لا يقتضي الضمان لأنه يجب رده معها فلم يفوت على نفسه إمكان ردها‏,‏ بخلاف ما إذا خلطه بغيره ولو أذن له صاحب الوديعة في الأخذ منها ولم يأمره برد بدله فأخذ ثم رد بدل ما أخذ فهو كرد بدل ما لم يؤذن في أخذه وقال القاضي‏:‏ يضمن الكل وهو قول الشافعي لأنه خلط الوديعة بما لا يتميز منها‏,‏ فضمن الكل كما لو خلطها بغير البدل وقد ذكرنا فرقا بين البدل وغيره فلا يصح القياس وقال أبو حنيفة‏:‏ إذا كسر ختم الكيس‏,‏ لم يلزمه ضمان الوديعة لأنه لم يتعد في غيره ولنا أنه هتك حرزها فضمنها إذا تلفت‏,‏ كما لو أودعه إياها في صندوق مقفل ففتحه وتركه مفتوحا ولا نسلم أنه لم يتعد في غير الختم‏.‏

فصل‏:‏

وإذا ضمن الوديعة بالاستعمال أو بالجحد ثم ردها إلى صاحبها‏,‏ زال عنه الضمان فإن ردها صاحبها إليه كان ابتداء استئمان‏,‏ وإن لم يردها إليه ولكن جدد له الاستئمان أو أبرأه من الضمان برئ من الضمان‏,‏ في ظاهر المذهب لأن الضمان حقه فإذا أبرأه منه برئ كما لو أبرأه من دين في ذمته وإذا جدد له استئمانا‏,‏ فقد انتهى القبض المضمون به فزال الضمان وقد قال أصحابنا‏:‏ إذا رهن المغصوب عند الغاصب أو أودعه عنده‏,‏ زال عنه ضمان الغصب فهاهنا أولى‏.‏

فصل‏:‏

ولو تعدى فلبس الثوب وركب الدابة‏,‏ أو أخذ الوديعة ليستعملها أو ليخزن فيها ثم ردها إلى موضعها بنية الأمانة‏,‏ لم يبرأ من الضمان وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة‏:‏ يبرأ لأنه ممسك لها بإذن مالكها فأشبه ما قبل التعدي ولنا أنه ضمنها بعدوان فبطل الاستئمان‏,‏ كما لو جحدها ثم أقر بها وبهذا يبطل ما ذكروه‏.‏

فصل‏:‏

ولا يصح الإيداع إلا من جائز التصرف فإن أودع طفل أو معتوه إنسانا وديعة‏,‏ ضمنها بقبضها ولا يزول الضمان عنه بردها إليه وإنما يزول بدفعها إلى وليه الناظر له في ماله‏,‏ أو الحاكم فإن كان الصبي مميزا صح إيداعه لما أذن له في التصرف فيه لأنه كالبالغ بالنسبة إلى ذلك فإن أودع رجل عند صبي أو معتوه وديعة فتلفت‏,‏ لم يضمنها سواء حفظها أو فرط في حفظها فإن أتلفها أو أكلها‏,‏ ضمنها في قول القاضي وظاهر مذهب الشافعي ومن أصحابنا من قال‏:‏ لا ضمان عليه وهو قول أبي حنيفة لأنه سلطه على إتلافها بدفعها إليه فلا يلزمه ضمانها ألا ترى أنه لو دفع إلى صغير سكينا‏,‏ فوقع عليها كان ضمانه على عاقلته‏؟‏ ولنا أن ما ضمنه بإتلافه قبل الإيداع‏,‏ ضمنه بعد الإيداع كالبالغ ولا يصح قولهم‏:‏ إنه سلطه على إتلافها وإنما استحفظه إياها وفارق دفع السكين‏,‏ فإنه سبب للإتلاف ودفع الوديعة بخلافه‏.‏

فصل‏:‏

وإن أودع عبدا وديعة خرج على الوجهين في الصغير‏,‏ إن قلنا‏:‏ لا يضمن الصبي فأتلفها العبد كانت في ذمته وإن قلنا‏:‏ يضمن كانت في رقبته‏.‏

فصل‏:‏

وإن غصبت الوديعة من المودع قهرا فلا ضمان عليه‏,‏ سواء أخذت من يده أو أكره على تسليمها فسلمها بنفسه لأن الإكراه عذر له يبيح له دفعها‏,‏ فلم يضمنها كما لو أخذت من يده قهرا‏.‏